كلمة المØتÙÙ‰ به ÙÙŠ ختام الندوة العلمية الدولية التي أقامتها جامعة الØسن الثاني بالدار البيضاء بعنوان ” إنسانية الأدب واللغة : قراءات ÙÙŠ أعمال العلّامة الدكتور علي القاسمي”ØŒ وشارك Ùيها أكثر من أربعين باØثا من أساتذة الجامعات ÙÙŠ المغرب والمشرق.
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article51379
أصØاب المعالي والÙضيلة والسعادة
إخواني الأساتذة والباØثين الكرام،
بناتي وأبنائي الطلبة الأعزاء.
السلام عليكم ورØمة الله وبركاته
واجهَ الÙكر الإسلامي ÙÙŠ القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي مشكلة عويصة تتمثل ÙÙŠ السؤال الذي طرØÙ‡ علماء الكلام، وهو: “هل الإنسان مسيّرٌ أم مخيّرٌ ÙÙŠ Ø£Ùعاله؟” . وأدت هذه القضية إلى انقسامات ÙÙŠ صÙو٠العلماء، وظهور Ùرق كلامية ومذهبية عديدة؛ واستمرت ملتهبة Øتى القرن الخامس الهجري Øينما أخذ علم الكلام يقترب من الÙلسÙØ© ويندمج Ùيها.
ويكمن الإشكال ÙÙŠ أنه إذا كان الإنسان لا خيار له ÙÙŠ اتخاذ قراراته لأنه مسيّر، Ùإن Øسابه وعقابه عن Ø£Ùعاله السيئة ÙÙŠ الآخرة، ظلم، والله منبع العدل ï´¿ مَّنْ عَمÙÙ„ÙŽ صَالÙØًا ÙÙŽÙ„ÙÙ†ÙŽÙْسÙÙ‡Ù Û– وَمَنْ أَسَاءَ Ùَعَلَيْهَا Û— وَمَا رَبÙّكَ بÙظَلَّام٠لÙّلْعَبÙيدÙï´¾ ( سورة Ùصلت: 46)
وإذا قلنا إن الإنسان مسؤول عن Ø£Ùعاله لأنه مخيّر ÙˆØرّ الإرادة، Ùإننا سننÙÙŠ القدرة الألهية ÙÙŠ تسيير الكون، وسنناقض Ø£Øد أركان الإيمان ØŒ”الإيمان بالقدر خيره وشره” الذي يعني أن كل ما دخل ÙÙŠ الوجود من خير Ùˆ شر هو بتقدير الله الأزلي.
وقد Øاول بعض أئمة المسلمين أن يسلك مسلكاً وسطاً ÙÙŠ هذه القضية الشائكة Ùقال: ” الإنسان مخير ÙÙŠ إطار مسيّر”.
وانقسم المثقÙون بين أصØاب التخيير وأصØاب التسيير، Ùالشاعر الÙلسÙÙŠ أبو العلاء المعري (363 Ù€ 449 هـ/ 973 Ù€ 1057Ù…) يقول:
ما باختياري ميلادي ولا هرمي ولاØياتي، Ùهل لي بعد تخييرÙØŸ
ولا إقامةَ إلا عن يدَي قدر٠ولا مَسيرَ إذا لم يقض٠تسييرÙ
وظلت هذه المسألة Ù…Øيّرة Øقاً للمÙكرين والمثقÙين طوال العصور التالية، Ùالشاعر المهجري الØديث إيليا أبو ماضي ( 1889Ù€ 1957Ù…) Øيرته هذه القضية Øتى كتب ” الطلاسم” التي مطلعها:
جئت٠لا أعلم من أينَ ولكني أتيتÙ
ولقد أبصرت٠أمامي طريقا ÙمشيتÙ
وسأبقى ماشياً إن شئت٠هذا أم أبيتÙ
كيÙÙŽ جئتÙØŸ كيÙÙŽ أبصرت٠طريقي ؟
لست أدري!
وقد اعتبر كثيرٌ من معاصري إيليا أبو ماضي أن طلاسمه مشوبة بالشك الأقرب إلى الإلØاد، Ùعارضوه بقصائد إيمانية تØمل لازمة ” أنا أدري” أو ” إلى Ù…ÙŽÙ† ليس يدري” ØŒ كما Ùعل الشاعر العراقي الأب بولس بهنام (1916 Ù€ 1969Ù…)ØŒ رئيس أساقÙØ© الموصل للسريان الأرثودوكس، ÙÙŠ قصيدته ” أنا أدري” التي مطلعها:
Ù€ انا ÙÙŠ الدنيا، وأدري كيـÙÙŽ للدنيا أتيتÙ
قد رأيـت٠الـدربَ قدامي ضياءً ÙمشيتÙ
وسأبقى ماشياً ÙÙŠ النورÙØŒ هذا ما رأيتÙ
أنا أبصرت٠بعين٠العقل٠والقلب٠طريقي
أنا أدري
ويخبرنا التاريخ أن هذه القضية كانت مدار نظر المÙكرين والمثقÙين ÙÙŠ مختل٠العصور. ÙÙÙŠ Øوارات الÙيلسو٠الإغريقي سقراط ( 469 Ù€ 399 Ù‚.Ù….) التي ØÙظها لنا تلميذاه Ø¥Ùلاطون (427Ù€347 Ù‚.Ù….) وزينÙون ( 430Ù€ 354 Ù‚.Ù….)ØŒ ثمة Øوار جرى بين سقراط وأيوثيÙرو خارج المØكمة التي قضت على سقراط بالموت سماً بتهمة Ø¥Ùساده عقول الشباب، Ø·Ø±Ø Ø³Ù‚Ø±Ø§Ø· السؤال: ” هل تختار الألهة الإنسان لأنه صالØØŒ أما تختاره لأنها جعلته صالØاً؟”. وهذا السؤال قريب من قضية التخيير والتسيير.
ÙˆÙÙŠ الÙكر الديني اليهودي، يعدّ٠الاختيار ركناً أساسياً من أركان العلاقة بين الإنسان وخالقه، طبقاً للتوراة، أما التلمود الذي هو Ø´Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø£Øبار على التوراة، ÙÙيه نصوص ØªØªØ±Ø§ÙˆØ Ø¨ÙŠÙ† تÙضيل الجبر وبين القول بالاختيار. وقد تأثرت الÙلسÙØ© اليهودية ÙÙŠ العصر الوسيط بعلم الكلام الإسلامي ÙÙŠ هذه القضية. Ùقد خص الÙيلسو٠الرئيس موسى بن ميمون القرطبي (1135 Ù€ 1204Ù…) الذي تلقى تعليمه العالي ÙÙŠ جامعة القرويين بÙاس، ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ø·Ø¨ÙŠØ¨ الأمير ØµÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ø¯ÙŠÙ† الإيوبي Ù…Øرر القدس من استعمار الصليبيين Ùيما بعد، خص هذه المسألة بدراسة مطوله ÙÙŠ كتابه ” دلالة الØائرين” الذي ألّÙÙ‡ باللغة العربية، جمع Ùيه آراء الأØبار المتباينة، ورأى أن اختيار الإنسان يخضع لتأثيرات إلاهية وطبيعية واتÙاقية.
أما ÙÙŠ الÙكر المسيØÙŠØŒ ÙتطÙØ±Ø Ø§Ù„Ù…Ø³Ø£Ù„Ø© انطلاقاً من سÙÙر التكوين عندما اختار آدم أن يأكل من الشجرة المØرمة، وعندما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل. وتختل٠مواق٠رجال الدين المسيØÙŠ من مسألة التخيير والتسيير على الرغم من انطلاقهم من نص واØد.
بيدَ أن الذي واجه هذه المعضلة ودرسها بكثير من التÙصيل، هو المÙكر الديني الذي تسميه المراجع خطأ ” بالنبي ماني الÙارسي”( 216 Ù€ 276ØŸ Ù…) وتنعَتÙÙ‡ بأنه ” نبي الخير والشر ” أو ” نبي النور والعتمة ” ØŒ كما ورد ÙÙŠ الموسوعة البريطانية، وموسوعة ويكيبيديا، ومعجم ” المورد” وغيرها، وانتشرت ديانتÙÙ‡ ÙÙŠ الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا قرون طويلة.
يكمن خطأ المراجع المختلÙØ© ÙÙŠ أن اسم هذا المÙكر الديني ليس ماني ولم يكÙÙ† Ùارسياً. Ùاسمه الصØÙŠØ Ù‡Ùˆ ” مانع بن Ùاتك “ØŒ وهو عربي Ù‚ÙØ Ù…Ù† أهل بابل ÙÙŠ العراق وكانت لغة العراق الثقاÙية هي السريانية، Ø¥Øدى اللغات الجزيرية العروبية. واسمه واسم أبيه ما يزالان، إلى وقتنا الØاضر، شائعين ÙÙŠ شبه الجزيرة العربية، كما ÙÙŠ اسم الشاعر الإماراتي المعاصر (مانع العتيبة)ØŒ واسم الشاعر العÙماني المعاصر (Ùاتك بن Ùهر آل سعيد).
ويعود الخطأ إلى أن العراق كان تØت Øكم الإمبراطورية الÙارسية منذ سنة 539 Ù‚.Ù… Øتى Øرّره المسلمون ÙÙŠ معركة القادسية سنة 15 هـ/ 636Ù… التي Ù‚Ùتل Ùيها قائد جيوش الإمبراطورية الÙارسية رستم Ùرخزاد. ÙˆÙÙŠ Ùترة الاØتلال الÙارسي للعراق، كان الصراع قائماً بين الإمبراطوريتين الÙارسية والرومانية. وكان من عادة ملوك هاتين الأمبراطوريتين اصطØاب أشهر المÙكرين الدينيين الوطنيين ÙÙŠ غزواتهما، إجلالا منهم للعلم والعلماء وتشجيعاً للمØاربين من الدهماء، Ùكان على الملك الساساني الÙارسي سابور الأول (ثاني ملوك الإمبراطورية الساسانية الذي Øكمَ من Øوالي 240 Ù€ 270 Ù…) أن يصطØب أكبر المÙكرين الدينيين ÙÙŠ إمبراطوريته، مانع بن Ùاتك، ÙÙŠ Øملاته العسكرية. Ùزعم بعض الÙرس أن ذلك النبي تجري ÙÙŠ عروقه دماء ملكية Ùارسية من جهة أمه، ولÙظوا اسمه بالÙارسية (ماني) لعدم وجود الصوت /ع / باللغة الÙارسية.
ولم يقتصر الخطأ على اسمه وجنسيته ÙØسب، بل امتد كذلك إلى جوهر ÙلسÙته التي زعموا أنها تدور Øول الصراع بين إله الخير وإله الشر أو بين إله النور وإله العتمة. ÙÙŠ الØقيقة، أراد مانع بن Ùاتك أن يعر٠من أين يأتى الإنسان إلى هذه الدنيا، وإلى أين يذهب عندما يرØÙ„ عنها. Ùتوصَّل إلى أن Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ø¥Ù†Ø³Ø§Ù† كانت، ÙÙŠ الأصل، ÙÙŠ عالم روØاني نوراني، وعندما يولد الإنسان ÙÙŠ الدنيا، تمتزج روØÙ‡ بجسد٠مادي مظلم، وهذا الأمتزاج بين مادتيْن متناÙرتيْن يسبّÙب له كثيراً من التعاسة والقلق؛ وعندما يموت تتخلّص Ø§Ù„Ø±ÙˆØ Ù…Ù† هذه الثنائية المقيتة، وتعود إلى عالم Ø§Ù„Ø£Ø±ÙˆØ§Ø Ø§Ù„Ù†ÙˆØ±Ø§Ù†ÙŠ السعيد. ولهذا دعا هذا المÙكّر، ÙÙŠ بعض مراØÙ„ Øياته، إلى عدم الزواج لوضع Øد لشقاء الأولاد والأØÙاد ÙÙŠ الدنيا. ونجد صدًى لهذه الÙكرة ÙÙŠ شعر المعرّي Øين أنشد بيتاً ØŒ ÙŠÙقال إنه طلبَ أن ÙŠÙكتَب على شاهد قبره:
هذا جناه أبي عليّ ولم أجنÙه٠على Ø£ØدÙ
ليس لي Ùضلٌ مطلقاً ÙÙŠ تصØÙŠØ Ø£Ø®Ø·Ø§Ø¡ المَراجع ÙÙŠ موضوع ” النبي ماني الÙارسي”ØŒ بل يعود الÙضل كله للروائي اللبناني القدير أمين معلو٠عضو الأكاديمية الÙرنسية، الذي أصدر رواية كاملة بعنون Les Jardins de Lumière (1991) ” Øدائق النور”ØŒ كرَّسها Ù„Øياة مانع بن Ùاتك.
الغاية من Ø·Ø±Ø Ù‚Ø¶ÙŠØ© التخيير والتسيير هي الوصول إلى القول بإنني منذ Ø·Ùولتي، كنت٠مؤمناً بالقدر خيره وشره. وقد أسلست٠القياد للقدر يقودني Øيث يشاء، Ùكان قدراً رØيماً رؤوÙاً جميلاً، Ø£Øسنَ إليّ كثيراً، بØيث أستطيع أن أصÙÙŽ Ù†Ùسي بأنني Øلي٠القدر، أو القدر الكريم ØليÙÙŠ لا ÙŠÙارقني.
Ùبعد تجوال ÙÙŠ الجامعات شرقاً وغرباً، Øصلت٠صي٠سنة 1972 على دكتوراه الÙلسÙØ© من جامعة تكساس ÙÙŠ أوستن متخصصاً ÙÙŠ اللسانيات التطبيقية ( المعجمية والمصطلØية) بإشرا٠الدكتور آرتشبولد أي هيل، A.A.Hill ØŒ رئيس الجمعية اللغوية الأمريكية آنذاك ورأس المدرسة اللغوية البنيوية، وكان عمري ثلاثين عاماً. وبعد التخرّج مباشرة Ø£Ùصبت٠بما ÙŠÙØµØ·Ù„Ø Ø¹Ù„ÙŠÙ‡ بـ ” الØنين إلى الوطن”. ولكن هذا Ø§Ù„Ù…ØµØ·Ù„Ø Ø§Ù„Ø¹Ø±Ø¨ÙŠ ليس دقيقاً، لأنه عندما يشتد هذا الØنين إلى الوطن تصاØبه Øمى وصداع وأØياناً دوار وغثيان، Ùهو مرضٌ وليس مجرد Øنين Ù†Ùسي. ولهذا Ùإن المقابلين الإنجليزي والÙرنسي لهذا Ø§Ù„Ù…ØµØ·Ù„Ø Ø£ÙƒØ«Ø± دقة لأنهما يشتملان على كلمة “مرض” Home sickness Ùˆ Mal du pays . ولعل عدم دقة Ø§Ù„Ù…ØµØ·Ù„Ø Ø§Ù„Ø¹Ø±Ø¨ÙŠ راجعة إلى الرغبة ÙÙŠ التخÙي٠على المريض وبث الأمل Ù†Ùسه، كما ÙÙŠ Ù…ØµØ·Ù„Ø ” بصير” الذي ÙŠÙطلق على الأعمى.
ولكي أشÙى، كان لا بدّ أن لي أعود إلى العراق. ولكن خالة ابني، الدكتورة سعاد خليل إسماعيل البستاني، التي كانت وزيرة التعليم العالي بØكومة اللواء Øسن البكر آنذاك، كتبتْ إليّ تنصØني بإلØØ§Ø Ø¨Ø¹Ø¯Ù… العودة إلى العراق، الذي كان تØت Øكم شمولي، وسبق لي أن نددت٠به. كان ÙÙŠ إمكاني العمل٠ÙÙŠ الولايات المتØدة الأمريكية، Ùقد كنت٠مساعد أستاذ ÙÙŠ الجامعة، بيد أن ذلك لا يشÙيني. ولتخÙي٠أعراض مرضي، كان عليَّ أن أبØØ« عن بلد عربي أعمل Ùيه. ومن ØÙسن قدري أنني استÙقدÙمت٠أستاذاً زائراً ÙÙŠ كلية الأداب والعلوم الإنسانية ÙÙŠ جامعة Ù…Øمد الخامس بالرباط للعام الدراسي 1972 Ù€ 1973.
ÙˆÙÙŠ المغرب العزيز Øصل لي أمران:
الأول، أنني وقعت٠ÙÙŠ Øب المغرب، وهذا مبعث سعادتي؛ لأنك لكي تكون سعيداً ÙÙŠ Øياتك، ينبغي أن تØبَّ المكان الذي تعيش Ùيه، وتØبَّ الناس الذين تسكن معهم، وتØب عملك والذين تعمل معهم، وتÙكر بصورة إيجابية. ولست٠الوØيد الذي وقع ÙÙŠ Øب المغرب، Ùجميع Ù…ÙŽÙ† زار هذا البلد الأمين، أغرم به بÙضل كرم أهله، وجمال طبيعته، وأصالة Øضارته وغناها. ( وهذه الندوة الÙاخرة دليل على كرم المغاربة ولط٠أخلاقهم). ولكن عليّ أن أعتر٠بأن مرض الØنين إلى العراق ينتابني بين آن وآخرى، خاصة بعد رØيل أخي المغربي المرØوم الأستاذ Ù…Øمد أبو طالب.
الثاني، ÙÙŠ خطابه ÙÙŠ ØÙÙ„ تسليم شهادات الدكتوراه، قال لنا رئيس جامعة تكساس، ما معناه، إن هذه الورقة التي أسلّمها لكم لا تعني أكثر من أنكم قادرون على القراءة والبØØ«ØŒ قابلون للتعلّÙÙ…. Ùوجدت٠المغرب مكاناً رائعاً للتعلّÙÙ…ØŒ وتعلّمت٠Ùيه ومنه ومن رجالاته ما لم اتعلمه ÙÙŠ الجامعات التي درست٠Ùيها. Ùجميع الأساتذة الكرام المشاركين ÙÙŠ هذه الندوة هم من شيوخي غير المباشرين Ùقد قرأت٠شيئاً من مؤلّÙاتهم، وتعلَّمت منهم الكثير.
ساقني قدري اللطي٠أن أتتلمذ مباشرة على علميْن من أعلام المغرب هما العلامة المرØوم عبد العزيز بنعبدالله ( 1923 Ù€ 2012) الذي كان مديري ÙÙŠ مكتب تنسيق التعريب أربع سنوات، والدكتور العلامة المرØوم عبد الهادي بوطالب ( 1923 Ù€ 2009 ) الذي كان مديري العام ÙÙŠ المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقاÙØ© قرابة عشر سنوات، وكان يعاملني كولده، ويصطØبني ÙÙŠ معظم رØلات العمل ÙÙŠ آسيا وإÙريقيا وأوربا. Ùنهلت٠من علمه الغزير، وارتويت من خبراته الثرة، واكتسبت٠بعض مبادئه الخÙلقية. وخلاصة القول إن جميع ما أعرÙÙ‡ هو بÙضل المغرب العزيز.
كان المرØوم العلامة عبد العزيز بنعبدالله، هو وأØد أصدقائه، الأديب اللساني المترجم العراقي السÙير المرØوم عبد الØÙ‚ Ùاضل (1911Ù€ 1992)ØŒ عمّ٠المعمارية العالمية المشهورة زها Øديد، ومبتكÙر Ù…ØµØ·Ù„Ø ” التأثيل”ØŒ وصاØب كتاب ” دخيل أم أثيل” الذي صدر ÙÙŠ عمّان هذا الشهر، كانا ينشران خلال الستينيات والسبعينيات، دراسات٠تأثيليةً، ÙÙŠ مجلة “اللسان العربي” التي أسسها العلامة بنعبدالله، تزعم أن اللغة العربية هي أمّ٠اللغات ÙÙŠ العالم، ÙÙŠ وقت كان المستشرقون Ù€ خاصة اليهود منهم Ù€ ينشرون دراسات تزعم أن العبرية هي أمّ٠اللغات العالمية. وكانت أدلة الطرÙين مستقاةً من اللسانيات والتاريخ. وكنت٠أدرس بعض تلك البØوث التأثيلية، ولكني وقÙت٠موق٠الشك منها ،لأنه كان يعوزها الدليل العلمي الموضوعي، Ùقد كانت تستند ÙÙŠ مجملها إلى اÙتراضات لسانية معقولة. كان المرØوم عبد العزيز بنعبدالله، مثلاً، يقول : أعطني أية كلمة بأية لغة شئت وأخبرني بمعناها، وسأعطيك نظيرها العربي بالمعنى Ù†Ùسه وبالأصوات الرئيسة ذاتها. ÙÙŠ دخيلة Ù†Ùسي، كنت٠أشك ÙÙŠ أن ذلك نوعاً من “التأثيل الشعبي” Folk etymology, Ä–tymologie populaire يقوم على إتقان المرØوم بنعبدالله اللغة العربية ومعجمها، ولم يقلّÙÙ„ ذلك الشكّ٠من اØترامي ومØبتي له، بل ازددت٠إعجاباً بتمكّنه المÙذهل من اللغة العربية. إن التأثيل العلمي يستند إلى أركان علم اللغة المقارن الأربعة: الصوتيات والصر٠والنØÙˆ والمعجم. أما التشابه المجرد بين الألÙاظ Ùقد يعود إلى المصادÙØ© المØضة.
وذات يوم ساقني قدري السعيد، إلى الاطلاع مصادÙØ© على نتائج بØØ« علمي اضطلعت به جامعتا ليدز البريطانية وبورتو البرتغالية للإجابة على السؤال: هل البشرية من سلالة واØدة أم من سلالات متعددة؟ ومعرو٠أن عدداً من العلماء الأوربيين والأمريكيين زعموا خلال القرن التاسع عشر والنص٠الأول من القرن العشرين أن البشرية نشأت من ثلاث سلالات مختلÙØ©: البيضاء ÙÙŠ أوربا، والسوداء ÙÙŠ Ø¥Ùريقيا، والصÙراء ÙÙŠ آسيا، وأن السلالة البيضاء هي أرقاها وأذكاها، Ùهي مؤهلة لتمدين بقية السلالات وتطويرها. وهذه هي الذريعة العلمية للاستعمارالأوربي وللتمييز العنصري ÙÙŠ أمريكا.
ولكن البØØ« الذي أجرته الجامعتان البريطانية والبرتغالية ودام عشر سنوات واستخدم كلَّ الوسائل العلمية الØديثة مثل تØليل الخلايا والدم والدنا والجينات، أثبت أن البشرية انØدرت من سلالة واØدة نشأت وترعرعت جنوبي شبه جزيرة العرب ( اليمن) Øيث Ø®Ùلق أول إنسان عاقل Homo sapiens. وبعد ملايين السنين وقبل Øوالي 70.000 سنة قامت هجرات بشرية من جنوبي جزيرة العرب منطلقة مما يسمى اليوم بعÙمان، بØراً إلى آسيا، وبراً إلى أوربا عن طريق شمال Ø¥Ùريقيا والشرق الأوسط، وسكنت أصقاع الأرض المختلÙØ©.
لقد Ù†ÙØ´Ùرت خلاصة نتائج هذا البØØ« ÙÙŠ ” المجلة الأمريكية للجينات البشرية ” American Journal of Human Genetics ÙÙŠ عددها الصادر ÙÙŠ شهر شباط/ Ùبراير 2012. كما نشرت مجلة ” لو بوان ” Le Point الÙرنسية ÙÙŠ عددها الصادر ÙÙŠ Ù†Ùس الشهر والسنة، مقالاً عن هذا البØØ« لأØد العلماء بعنوان ” Ù†ØÙ† جميعاً عرب” Nous sommes tous des arabes( يمكن للقارئ الكريم الاطلاع على البØثين بالهات٠المتصل بالشابكة).
ونتائج هذا البØØ« العلمي تتÙÙ‚ مع الرواية الدينية القائلة إن الله خلق آدم وعلَّمه اللغة ÙÙŠ جنة عدن. وأكثر من ذلك Ùإن نبينا سيدنا Ù…Øمد (ص) خطب ÙÙŠ Øجة الوداع قائلاً:
“يا أيها الناس: إن ربكم واØد، Ùˆ إن أباكم واØد، ألا لا Ùضل لعربي على عجمي Ùˆ لا عجمي على عربي، Ùˆ لا لأØمر على أسود Ùˆ لا لأسود على Ø£Øمر إلا بالتقوى، “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”ØŒ ألا هل بلغت ØŸ قالوا: بلى يا رسول الله قال: Ùليبلغ الشاهد الغائب”
وإذا كانت الجامعتان الأوربيتان قد توصلتا إلى تلك الØقيقة بالتجارب العلمية المختبرية، Ùإن الرسول الأكرم (ص) أدركها بالإلهام الإلهي، لأن أنواع المعرÙØ© ثلاثة: المعرÙØ© العقلية المنطقية، والمعرÙØ© المختبرية العلمية، والمعرÙØ© الإلهامية التي يسميها المتصوÙØ© بالمعرÙØ© القلبية أو اللدنية. ومن أمثلة هذه المعرÙØ© القلبية الكش٠الذي توصّل إليه القطب الصوÙÙŠ Ù…Øيي الدين بن عربي ( 1165 Ù€ 1240Ù…) عن طبيعة الصوت وذكره ÙÙŠ كتابه ” الÙتوØات المكية” : إن أصواتنا لا تموت بل تبقى معلقّة ÙÙŠ الهواء. وهذه المعلومة توصل إليها الأمريكان ÙÙŠ القرن الميلادي العشرين مختبرياً واستخدموها لأغراض استخباراتية، Ùهم لا ÙŠØتاجون إلى التنصت على الهاتÙØŒ بل يلتقطون المØادثة من الهواء.
ومن نتائج هذا البØØ« العلمي الذي أجرته جامعتا ليدز وبورتو أن جميع اللغات ÙÙŠ المعمورة يعود أصلها إلى اللغة الأم الأولى ÙÙŠ جنوبي شبه جزيرة العرب. ومعرو٠أن انتقال اللسان وتغيّÙره هو من انتقال الإنسان وتأثيرات الجغراÙية الثقاÙية. ولهذا Ùإن شيخنا المرØوم عبد العزيز بنعبدالله وصديقه العراقي المرمØوم عبد الØÙ‚ Ùاضل كانا على ØÙ‚ ÙÙŠ قولهم إن العربية هي أصل اللغات، وينطب ذلكن على القائلين بأن العبرية أو السريانية أو الأمازيغية هي أصل اللغات ÙÙŠ العالم، لأن هذه اللغات هي لغات جزيرية نشأت وترعرعت ÙÙŠ شبة جزيرة العرب وتعود إلى أم واØدة هي العربية الأولى.
وكانت علاقتي بشيخي المرØوم الدكتور عبد الهادي بوطالب، الزعيم الوطني المغربي المعروÙØŒ أطول وأوثق. ÙØتى عندما انتهت مهمته ÙÙŠ المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقاÙØ© (الإيسيسكو )ØŒ واظبت٠على التشرّÙ٠بالجلوس بين يديه ÙÙŠ منزله بالدار البيضاء كل يوم أربعاء بعد تناول الغداء معه لمواصلة التعلّم منه. أذكر أنني ذات مرة عرضت٠عليه مسودة كتابي ” Øقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والإعلان العالمي”ØŒ لإبداء توجيهاته. اطلع عليه وقال: ينقص هذا الكتاب موضوع تطور Ù…Ùهوم Øقوق الإنسان ÙÙŠ الأديان والمعتقدات السابقة قبل الإسلام، ليكون الكتاب متكاملاً. Ùرجوته أن يتكرَّم بكتابة مقدمة للكتاب تغطّي النقص، ÙÙعل. ونÙØ´Ùرهذا الكتاب ÙÙŠ الرباط ثم القاهرة وهو مزدان بمقدمة المرØوم بوطالب الرائعة.
وخلاصة القول إن تجربتي ÙÙŠ الØياة دلّتني على أن ما Øصل لي ــ Ùيما يتعلق بالمكان الذي أقيم Ùيه، أو الوظائ٠التي تقلّدتها، أو الأشخاص الذين عملت٠معهم وتعلَّمت٠منهم، أو Øتى الكتب والقصص التي قرأتها أو كتبتها أو ترجمتها ـــ لم يكن باختياري بل تØكّمت Ùيه مصادÙات جميلة أسميها قدري الرؤوÙ. وقد تعزز اقتناعي هذا بكتابيْن ترجمتÙهما مؤخراً:
الكتاب الأول، أتى به ضي٠من أمريكا هدية لي وهو رواية عنوانها ” Ø£Øلام آينشتاين” للأمريكي ” ألَن لايتمَن”ØŒ أستاذ الÙيزياء النظرية ÙÙŠ جامعة أم. آي. تي الأمريكية، وأستاذ الشعر والإبداع الأدبي ÙÙŠ الجامعة ذاتها ÙÙŠ الوقت Ù†Ùسه، Ùهو عالم Ùيزيائيٌّ شاعر قصاص روائي. وروايته ” Ø£Øلام أنشتاين ” التي تÙرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغةً، تتألَّ٠من قصص قصيرة ÙƒÙتبت بإسلوب شاعري، وتتصل ببعضها بشكل هندسي جميل لتكوّÙÙ† روايةً رائعة ألهمت كثيراً من الÙنانين والموسيقيين والرسامين والمبدعين. وتتناول هذه الرواية طرÙاً من Øياة ألبرت آينشتاين ( 1879Ù€ 1955)ØŒ وتبسّط Ù…Øاورَ من نظريته النسبية الشهيرة . قرأت٠الرواية Ùأخذتْ بمجامع إعجابي ونالت عظيم تقديري، Ùقررت٠ترجمتها.
كانت ترجمة تلك الرواية إلى العربية تتطلَّب مني أن Ø£Ùهيئ Ù†Ùسي وروØÙŠ وعقلي لترجمتها. قمت٠أولاً بقراءة سيرة آينشتاين، كما سطّرها كاتب سير المشاهير والتر اسØاقسون ÙÙŠ كتابه الضخم Einstein: His Life and Universe (2007)” آينشتاين : Øياته وعالمه” أو بترجمة أدق ” آينشتاين: Øياته وكونه” الذي يقع ÙÙŠ 850 صÙØØ©ØŒ والذي أهدته إليّ الصديقة الأمريكية مورين كريسك. وهذه السيدة شاعرة مرموقة ÙÙŠ الولايات المتØدة الأمريكية وأخوها، إدوارد ميكوس، شاعر مرموق كذلك وناشط ÙÙŠ جمعية ” شعراء ضد الØرب” ناضل ضدّ الØرب التي شنّتها الØكومة الأمريكية على العراق، وكلاهما أستاذ جامعي للأدب الأمريكي. جاءت هذه الشاعرة أستاذة باØثة ÙÙŠ جامعة Ù…Øمد الخامس بالرباط لمدة عام واØد، ثم وقعتْ ÙÙŠ Øبّ المغرب، Ùاشترت شقةً ÙÙŠ الرباط، وأخذت تقسّم سنتها على نصÙين: نص٠تدرّس الأدب ÙÙŠ جامعتها بكاليÙورنيا، ونص٠تستمتع بØب المغرب وكتابة الشعر ÙÙŠ ربوعه.
ÙˆÙÙŠ Ùترة الاستعداد لترجمة رواية ” Ø£Øلام أنشتاين” ØŒ شاهدت٠Ùيلماً تلÙزيونياً عن Øياة آينشتاين.
كان عليّ قبل أن أترجم هذه الرواية، أن أكتسب Ùهماً تقريبيا لخلاصة النظرية النسبية Ùانكببت٠على دراستها أياماً طويلة. ÙˆÙهمت٠منها أنها غيّرت كثيراً من المÙاهيم العلمية السابقة مثل Ù…Ùهوم الØركة، ÙأصبØت كل Øركة نسبية، وغيّرت Ù…Ùهوم الزمان، ÙØ£ØµØ¨Ø Ù†Ø³Ø¨ÙŠØ§Ù‹ يتوق٠على سرعة الأجسام وشدّة الجاذبية التي يتØرّك Ùيها الجسم، وأدمجت هذه النظرية٠الزمانَ والمكانَ ÙأصبØا شيئاً واØداً تØت اسم ” الزمكان” .
ولكي أهيئ Ù†Ùسي لترجمة هذه الرواية، أعدت دراسة كتاب ” Brief History of Time ” ” موجز تاريخ الزمان” للعبقري ستيÙÙ† هوكنز (1942 Ù€ 2018)ØŒ أستاذ الرياضيات والكونيات ÙÙŠ جامعة كيمبردج ÙÙŠ بريطانيا الذي بØØ« ÙÙŠ بداية الكون واتساعه ونهايته وما يتخلله من ØÙر سوداء، ولكنه أصيب بمرض أعصاب غريب تسبب ÙÙŠ ضمور عضلاته Øتى لم يبق من جسمه عضو يعمل سوى دماغه وإصبع واØد من أصابع يديه، Ùصنعوا له كرسيا مزوداً بØاسوب ÙŠØوّل الØرو٠التي يرقنها بإصبعه إلى عبارات منطوقة، لكي يتمكّن من إلقاء Ù…Øاضراته الدورية على أساتذة العلماء. كما شاهدت Ùيلماً رائعاً عن Øياته واكتشاÙاته.
لم أكن Ø£Ø·Ù…Ø Ø¥Ù„Ù‰ Ùهم النظرية النسبية، ÙÙÙŠ مقدّÙمة كتاب ” آينشتاين: Øياته وعالمه”ØŒ ذكر المؤلّÙ٠مقولة Ù…Ùادها أن عدد الذين Ùهموا النظرية النسبية كاملةً من العلماء المتخصصين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواØدة [ كان Ø£Øدهم تلميذ أنشتاين عالم الÙيزياء العراقي الدكتور عبد الجبار عبد الله (1911 Ù€ 1969) ] . وقرأت نكتة ذات مرة Øول لقاء بين آينشتاين وتشارلي شابلن (1889Ù€ 1977) صاØب الأÙلام الصامتة. Ùقال آينشتاين له:
Ù€ تتجلى عبقريتك ÙÙŠ أنك لم تقل شيئاً ÙˆÙهمَك الناس.
Ùرد تشارلي شابلن بقوله:
Ù€ وأنتَ تتجلى عبقريتك ÙÙŠ أنك قلتَ كلَّ شيء ولم ÙŠÙهمك الناس.
وشاهدت٠Ùيلماً سينمائياً مستوØÙ‰ من نظرية أنشتاين يتناول المستقبليين، وهو الÙيلم العلمي الأمريكي الشهير Back to the Future— العودة إلى المستقبل” ( 1985) من قصة لروبرت زميكيس وإخراجه.
كما طالعت٠دراسات نقدية عن الرواية وأسلوب مؤلّÙها ØŒ الدكتور ألن لايتمن، وعلمت٠أنه ليس الأول الذي Øاول تبسيط النظرية النسبية بالأدب، بل سبقه العالم الروسي الأمريكي جورج كامو٠(1904 Ù€ 1968) صاØب نظرية “الانÙجار الكبير” لتÙسير نشوء الكواكب، الذي نشر رواية ÙÙŠ الأربعينيات بعنوان ” مغامرات السيد هوبكنز” يبسّط Ùيها بعض معالم النظرية النسبية بأسلوب سردي.
قبل أن أعرض عليكم بعض Ùرضيات رواية ” Ø£Øلام أنشتاين” التي ترجمتÙها، أود أن ألÙت انتباهكم الكريم إلى بعض تÙاسير الآية رقم 12 التي وردت ÙÙŠ نهاية سورة الطلاق، Ùقد جاء ÙÙŠ تÙسير الطبري (224Ù€ 310هـ) ÙÙŠ كتابه ” جامع البيان ÙÙŠ تÙسير القرآن”. ما نصه:
سÙئل ابن عباس (ر) عن تÙسير الآية : ( الله الذي خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن ) . Ùقال ابن عباس : لو Øدثتكم بتÙسيرها لكÙرتم، وكÙركم تكذيبكم بها. ثم قال: (ومن الأرض مثلهن): خلق من الأرض مثلهن لما ÙÙŠ كل واØدة منهنّ مثل ما ÙÙŠ السماوات من الخلق ØŒ ÙˆÙÙŠ كل أرض مثل إبراهيم ونØÙˆ ما على الأرض من الخلق، ÙˆÙÙŠ كل سماء إبراهيم..[ ونØÙˆ ما على الأرض من الخلق].
وقال ابن كثير ( ت 774) ÙÙŠ كتابه ” تÙسير القرآن العظيم”ØŒ بمثل ذلك ÙÙŠ تÙسير هذه الآية:
” قال ابن عباس : ” ÙÙŠ كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ÙˆÙ†ÙˆØ ÙƒÙ†ÙˆØ ÙˆØ¥Ø¨Ø±Ø§Ù‡ÙŠÙ… كإبراهيم وعيسى كعيسى [ ونØÙˆ ما على الأرض من الخلق] .
إن من تأويلات الرقم سبعة هو العدد اللامتناهي. Ùقد كان الرقم سبعة هو رمز الأبدية لدى المصريين القدماء. وتقول المعاجم العربية إن معنى ” سبّعَ الله لك الأجر” أي جعله سبعة أضعا٠أو أكثر.
وإذا انتقلنا إلى رواية ” Ø£Øلام أنشتاين” التي تبسّÙØ· بعض معالم النظرية النسبية نجد النص القصصي التالي:
” ÙÙŠ وسط غرÙØ© Ùيها كتبٌ على طاولات، يق٠شابٌ يعز٠على كمانه. إنه يعشق كمانه ويعز٠ألØاناً رقيقة. ÙˆÙيما هو يعزÙØŒ يلقي نظرة على الشارع تØته، ويلØظ زوجين قريبين من بعضهما، ينظر إليهما بعينيه السوداويْن…
ÙˆÙيما هو يعزÙØŒ يق٠رجل آخر [ ÙÙŠ عالم آخر]ØŒ مماثل له، ÙÙŠ وسط غرÙØ© ويعز٠على كمانه. ÙŠÙلقي الرجل نظرة على الشارع تØته، ويلØظ زوجين قريبين من بعضهما، ينظر إليهما بعينيه السوداويْن … ÙˆÙيما هو يعزÙØŒ يق٠رجل ثالث ويعز٠على كمانه. ÙÙŠ الØقيقة يوجد رجل رابع وخامس، Ùهناك عدد لا متناه ÙÙŠ وسط غرÙهم وهم يعزÙون على آلات الكمان… Ùالزمان مثل ضوء بين مرآتين…الزمان يثب جيئة وذهاباً منتجاً عدداً لا متناه٠من الصور، والألØان، والأÙكار…” ( رواية ” Ø£Øلام أنشتاين” ترجمة القاسمي، ص 108)
ألا يذكّرنا هذا النص القصصي بتÙسير الأية 12 ÙÙŠ سورة الطلاق، بالنظرية الØديثة التي ÙŠÙطلق عليها اسم “العوالم المتوازية” أو بترجمة أدق ” الأكوان المتوازية Parallel Univers
،Univers parallèles .
ÙˆÙÙŠ جزء آخر من الرواية، يؤكّÙد المؤلّÙ٠أنه نظراً لأن ” الزمكان” دائري، يواصل دورانه الأزلي الأبدي، Ùكل واØد منا يعيد Øياة سابقة مرّت به، ÙˆØياتنا مثل ردهات متعاقبة ندخلها واØدة بعد الأخرى دون اختيارنا. ومن مظاهر إعادة Øياتنا السابقة، أننا نزور، Ø£Øياناً، مكاناً لأول مرة، Ùنشعر بأننا نعرÙÙ‡ من قبل.
وهكذا تؤيد النظرية النسبية الرأي القائل بأننا مسيّرون ولسنا مخيّرين ÙÙŠ Øياتنا وأÙعالنا.
الكتاب الثاني، هو كتاب ” الدماغ الخبيث” لمؤلّÙÙ‡ الأمريكي العراقي الدكتور طالب الخÙاجي، الذي درَّس التØليل النÙسي ÙÙŠ عدد من الجامعات الأمريكية، ومارس التØليل النÙسي مدّة من الزمن ÙÙŠ عيادته ÙÙŠ ولاية مشيغان الأمريكية. كان الدكتور طالب قد ألّ٠قبل هذا الكتاب أربعة كتب أخرى بالإنجليزية Øققت مبيعات عالية. ولأنه صديقي، تجمعنا Ù…Øبة المغرب Øيث يمضي عطله، Ùقد أهدى إليّ نسخاً من كتبه، واستمتعت٠بقراءتها. ولكن عندما قرأت٠كتابه الخامس، أدهشني وأمتعني بضخامة المعلومات الÙكرية والعلمية والتقنية التي Øشد Ùيه. Ùقد تناول ” العقل ” من وجهة نظر الÙلاسÙØ©ØŒ وعلماء النÙس، والساسة، والإعلاميين، والمعلوماتيين وغيرهم، وتكلّم بعمق عن أنواع العقل: الواعي، واللاشعوري، واللاواعي.
وما دÙعني إلى ترجمة هذا الكتاب التي تصدر بالرياض هذا الشهر، هو مناقشته لقضية التسيير والتخيير بمعلومات جديدة. يقرّ المؤلّ٠بأن ” مقولة الإنسان مخيَّر” أسطورة Ù…Ùيدة خلقياً وقانونياً، لأنها تجعل الÙرد Øرّا ÙÙŠ اختيار أعماله بقرار يتخذه عقله الواعي بعد تÙكير وتدبّر، ولهذا Ùالإنسان مسؤول عن Ø£Ùعاله. بيدَ أن المكتشÙات الØديثة جعلت من هذه المقولة مجرّد Øلم٠لا صØØ© له ÙÙŠ الواقع. وإليك بيان الأمر:
يتكون العقل الواعي من جميع العمليات العقلية التي ندركها. وكل عملية ÙÙŠ Øياتنا اليومية يجب أن تمرَّ، من خلال العقل الواعي ثم تÙØال على العقل اللاواعي. وعادة لا ÙŠØتمل العقل الواعي الخبرات الأليمة ÙÙŠØيلها على العقل اللاواعي. العقل الواعي هو المسؤول عن التÙكير والمنطق الاستدلالي، ويسيطر على مجميع الأÙعال التي تنوي القيام بها وأنت واعÙ.
أما العقل اللاواعي Ùإنه خزان الغرائز البيولوجية، والرغبات الجنسية الملØÙ‘ÙŽØ©ØŒ والميول العدوانية وجميع الذكريات التي نريد إبعادها عن عقلنا الواعي. ويسيطر٠العقل اللاواعي على جميع الوظائ٠اللاإرادية ÙÙŠ الجسم مثل ضربات القلب، والتنÙس، وضغط الدم، وكذلك العادات.
عندما نتعلم سياقة السيارة، مثلاً، نستخدم عقلنا الواعي، ÙÙ†Ùكّر ÙÙŠ كلّ٠خطوة وكل Øركة. وبعد بضعة أسابيع، ØªØµØ¨Ø Ø³ÙŠØ§Ù‚Ø© السيارة عادة من العادات، ونقوم بها بصورة آلية دون أن Ù†Øتاج إلى تÙكير، ÙتÙنقل إلى العقل اللاواعي. Ùالعقل اللاواعي يعالج 11 مليون جÙزيئية من المعلومات التي نستقبلها يومياً، ويوجّÙÙ‡ 95 % من القرارات التي نتخذها، ويسيطر على كل أجهزة الجسم وكل خلية Ùيه.
ونظراً لأن العقل اللاواعي هو خزان الخبرات السيئة الأليمة، بل أكثر من ذلك هنالك العقل اللاواعي الجمعي الذي يخزن الخبرات التي ورثناها من أسلاÙنا عندما كان الإنسان يعيش ÙÙŠ الطبيعة، مثل الخو٠من الأÙاعي ورد الÙعل عند Øدوث صخب Ù…Ùاجئ. وثبت لدى علماء النÙس أن معظم الأمراض النÙسية كالوسواس القهري وغيره هي بتأثير العقل اللاواعي.
يكش٠هذا الكتاب أن التقدّÙÙ… ÙÙŠ علوم الطب والمعلوميات والØاسوب والأجهزة الطبيبة الألكترونية، ساعد على تØديد مناطق اتخاذ القرار ÙÙŠ الدماغ، وتØديد اللØظة التي ÙŠÙتخذ Ùيها القرار. وقد وجÙد أن جميع قرارات العقل الواعي تÙتخَذ بطلب من أجهزة الجسم أو بتوجيه من العقل اللاواعي. وبعبارة أخرى لقد ثبت للمؤل٠أن لا شيء يتم باختيارنا بل Ù†ØÙ† مسيّرون ÙÙŠ جميع Ø£Ùعالنا.
وهكذا ترسّخ اقتناعي وإيماني بالقدر خيره وشره. وأن قدري شخصياً قدر رØيم كريم ساقني إلى المغرب العزيز، لأتعلم وأنعم بØياة هنيئة مريئة وسط جمال الطبيعة وكرم الأهل. وشعوري هذا من عوامل تمتعي بصØØ© جيدة وسعادة غامرة. Ùأنا أؤمن بالأطار المسيَّر للإنسان. [ وبصÙتي عراقياً، استثني Ø£Ùعال الØكّام الذين يزجون بشعوبهم ÙÙŠ Øروب تضØÙŠ بمئات الآلا٠من المواطنين وتدمّر الزرع والضرع، وكذلك سرقات الØكّام لشعوبهم الذين ينهبون موارد البلاد باسم الدين ويØولونها للبنوك الأجنبية Ùيتركون المواطنين ÙÙŠ عذاب والبلاد ÙÙŠ خراب، Ùهم يتخذون قراراتهم بإرادتهم واختيارهم وسيلقون عقابهم ÙÙŠ الدنيا والآخرة]
أضرب مثلاً أخيراً على رأÙØ© القدر بي. ÙÙŠ التسعينيات ÙˆÙÙŠ بداية الألÙية الثالثة، أصبت٠بنوبة كتابة القصص القصيرة. ÙˆÙÙŠ خلال سنوات معددودة كتبت٠Øوالي سبعةً وسبعين قصة، ÙˆØµØ Ø¹Ø²Ù…ÙŠ على نشرها ÙÙŠ كتاب. ولأنني أدرك أن معظم الناشرين ÙÙŠ البلاد العربية تجاراً وليسوا أصØاب رسالة ثقاÙية، سألت٠صديقي الأديب المرØوم عبد السلام البقالي عن الناشر الذي يتعامل معه ÙÙŠ المغرب، Ùدلني على الشري٠الØاج القادري صاØب دار الثقاÙØ© ( ولقب القادري نسبة إلى القطب الصوÙÙŠ الشيخ عبد القادر الجيلاني، دÙين بغداد)ØŒ وهو من رواد الثقاÙØ© ÙÙŠ المغرب. Ùذهبت٠إليه، ÙرØبَ بي أجمل ترØيب وأبدى استعداده لنشر قصصي. وعندما سلمته المخطوطة ØŒ Ø§Ù‚ØªØ±Ø Ø¹Ù„ÙŠÙ‘ أن أقسّم هذه القصص على خمس مجموعات، لينشرها ÙÙŠ خمسة كتب صغيرة، لأن القدرة الشرائية لدى الطلاب والمثقÙين متدنية، ولا يستطيعون شراء كتاب يتجاوز ثمنه خمسة وعشرين درهماً ( دولارين ونص٠تقريبا). ÙÙعلت٠ما أشار به عليّ وقسمت القصص على خمس مجموعات بØسب موضوعات القصص: الطÙولة، الغربة، الØب الخائب، الموت وتداعياته، إلخ. Ùتوهَّم النقاد أن القاسمي قاصاً مقتدراً معطاء له خمس مجموعات قصصية وليست واØدة، وأنه يتØكم ÙÙŠ موضوعات قصصه وطولها. وهذا من خيالهم الكريم. الØقيقية أنني لا أتØكم ÙÙŠ قصصي، لا ÙÙŠ هبوها ولا مجراها ولا مرساها؛ واسمØوا لي أن أروي هنا نكتة تتعلق بقصصي والكرم المغربي:
قبل Øوالي خمسة وعشرين عاماً تقريباً كنت٠أنوب عن المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقاÙØ© (الإيسيسكو) الذي كان ÙÙŠ مهمة خارج المغرب العزيز، واستأذنتي الكاتبة أول Ø§Ù„ØµØ¨Ø§Ø ÙÙŠ تØويل مهاتÙØ© لامرأة قالت لي إنها Øارسة ÙÙŠ عمارة يسكن Ùيها رجل متقاعد وقد توÙÙŠ الليلة البارØØ© وهو مقطوع من شجرة لا أهل له، وسألتني الØارسة ÙÙŠ مكالمتها الهاتÙية : “ألا تريدون دÙÙ† زميلكم السابق؟!” اصطØبت عدداً من الموظÙين وذهبنا إلى العمارة وقمنا بالمراسيم اللازمة لدÙÙ† الميت ونقلناه إلى المسجد Øيث تمت الصلاة عليه ثم إلى المقبرة Øيث تم الدÙÙ†. وعدت٠ÙÙŠ آخر النهار متعباً منهكاً مكتئباً إلى منزلي، وبدلاً من أن أنام القيلولة كعادتي، وجدتني، مثل امرأة Øامل Øان وقت مخاضها، أجلس لأكتب قصة Ùرضت Ù†Ùسها عليّ بعنوان ” النهاية ” عن رجل متقاعد سأم الØياة Ùاتصل بشركة لدÙÙ† الموتى Ùبعثت إليه بمندوبها الذي وقع عقداً معه لدÙÙ† الميت ØµØ¨Ø§Ø Ø§Ù„ÙŠÙˆÙ… التالي، وسلمه المتقاعد الثمن المتÙÙ‚ عليه. وعندما سأله المندوب : أين الميت. قال الرجل. خذ Ù…ÙØªØ§Ø Ù‡Ø°Ø§ المنزل، ÙˆØµØ¨Ø§Ø ØºØ¯ ستجد الميت على هذا الÙراش. وكتبت٠القصة بضمير المتكلم.
أرسلت٠القصة بالبريد الإلكتروني إلى المرØوم الأستاذ عبد الجبار السØيمي مدير جريدة ” العلم الثقاÙÙŠ” Ùنشرها بعد يومين. بعد سويعات معدودة اتصلت بي هاتÙياً الشاعرة الرائدة البرلمانية المناضلة الأستاذة مليكة العاصمة التي لم أكن قد تشرÙت٠بلقائها بعد، ولكني كنت٠أتابع ما تنشر من قصائد Ùذة، ومقالات قيمة . قالت الأستاذة الÙاضلة بعد جميل تØية وبشيْ من الاستØياء:
Ù€ دكتور القاسمي أرجو أن تشعر بأننا أهلك هنا ÙÙŠ المغرب، ويسعدنا مساعدتك مادياً ومعنوياً. مجرد اطلب ما تØتاج إليه.
أدركت٠أن هذه الأديبة المرهÙØ© الإØساس، قد اطلعت على القصة ذلك اليوم، وتأثرت بها، ÙˆØسبتها واقعية تخصني، بÙضل تقنيات الإيهام بالواقع التي زخرت بها القصة. Ùطلبت رقم هاتÙÙŠ من صديقها المرØوم عبد الجبار السØيمي ØŒ وهاتÙتني لتعرض مساعدتها.
Ùقلت٠لها مازØاً لطمأنتها:
Ù€ كي٠تساعدينني ؟؟ إنني أسكن ÙÙŠ دارة على شاطئ البØر مباشرة، وأقود سيارة مرسيدس جديدة، وأستلم راتب موظ٠دولي؟
وهكذا بدأت صداقتي معها ØŒ ومع زوجها المØامي النقيب الأستاذ الأديب، وابنها الطبيب المبدع الدكتور غسان.
ولكن درس تسويق الكتاب الذي تعلمته من الشري٠القادري، جعلني أتعلّم التركيز والاختصار ÙÙŠ تألي٠كتبي العلمية، وأن لا يتجاوز الكتاب مئتين وخمسين صÙØØ©. ولكن بعض كتبي التخصصية تجاوزت ذلك الØد مهما اختصرتها، مثل كتابي ” علم المصطلØ: أسسه النظرية وتطبيقاته العملية” ( 821 صÙØØ©)ØŒ وكتابي ” صناعة المعجم التاريخي للغة العربية” ( 650 صÙØØ©)ØŒ ويضمّ٠هذا الكتاب الأخير الخطة العلمية لمشروع المعجم التاريخي للغة العربية التي كلÙني بوضعها اتØاد٠المجامع اللغوية العلمية العربية بعد أن تبرع الشيخ الدكتور سلطان بن Ù…Øمد القاسمي، Øاكم الشارقة، ببناء مقر Ùخم للاتØاد والمشروع ÙÙŠ القاهرة، وتبرع بجميع Ù†Ùقات المشروع الذي قد يكل٠عشرات الملايين من الدولارات ويستغرق قرابة قرن من الزمن إذا كان العمل متواصلاً.
خاتمة:
كان من المÙروض أن تÙخصَّص هذه الكلمة لشكر القائمين على هذه الندوة الرائعة، لا أن تسرد طرÙاً من Øياتي، وتقوم بالإشهار لبعض كتبي.
ÙاسمØوا لي أن أوجه جزيل الشكر والامتنان لجامعة الØسن الثاني الموقرة رئيساً وعمداء وهيئة تدريسية وموظÙين وطلبة. وأخص بالذكر معالي الأستاذ الدكتور إدريس المنصوري رئيس جامعة الØسن الثاني ØŒ وسعادة الأستاذ الدكتور Ù…Ùراد موهوب عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية Ù€ عين الشق، وسعادة الدكتورة نزهة بوعياد رئيسة شعبة اللغة العربية وآدابها، وجميع العلماء الأدباء الباØثين الذين شاركوا بدراساتهم الرصينة وآرائهم الكريمة عن بعض أعمالي التي هي من Ùيض المغرب العزيز، ومن عطاء العلم المكنون ÙÙŠ صدور رجالاته وعقولهم وكتاباتهم. والشكر مستØÙ‚ وموصول لجميع من Øضروا جلسات هذه الندوة الموقرة، وأخيراً وليس آخراً للأساتذة الدكاترة الكرام أعضاء اللجنة التنظيمية : موراد موهوب ونزهة بوعياد وعبد الله تزوت ÙˆÙيصل الشريبي. وكذلك لمساعديهم من طلبة الدراسات العليا، الأستاذة مريم الناوي والأساتذة زكريا أشكور ومØمد المعروÙÙŠ والجيلالي العرصة ومØمد آيت عزي. ولا بد أن أوجه شكراً مستØقاً لأول اثنين منهم Ùقد تكرما بإنتاج Ùيلم Ùيديو جيد عني. وأخيراً لا تكÙÙŠ الكلمات للتعبير عما أشعر به ÙÙŠ أعماق روØÙŠ من شكر وامتنان لكم، ومن Ù…Øبة للمغرب واعتزاز به.
علي القاسمي
29/11/ 2018